خطوات عملية في كتابة سيناريو احترافي



كتابة السيناريو ،او كتابة النصوص هي فن حرفة الكتابة لقطاع الإعلام كالأفلام والإنتاج التلفزيوني. وغالبا ما تكون مهنة مستقلة . يكون الكاتب فيها مسؤولا عن البحث عن قصة وتطوير السرد وكتابة النص، احد المهارات التي يرغب الكتاب في تعلمها وإتقانها وهي تنمي مهارات الكاتب وتثقل حواسه نتيجة للرواج الشديد للسينما كأحد وسائل الترفيه والفنون الهامة.لا يخفى علينا أن السيناريو ، بوصفه فنا أدبيا مستقلا ، من الحقول الصعبة في الكتابة لا يبرع فيها من لم يتزود بمفاهيم وتصورات خاصة حول عملية السيناريو نفسها ومن لم يكن على اطلاع كاف بالصنعة السينمائية ومن هنا فهو لغة السينما وبدونه لن تقوم للسينما قائمة.السيناريو فن،له مقوماته وأصوله وقواعده ومبادؤه ففيه تنبعث الحركة في السطور المجردة ،يحولها إلى كائنات تجري وتتنفس وتعشق وتقاتل وتكره . من هنا قال "سيد فيلد" قد يأخذ مخرج سينمائي نصا عظيما ويصنع منه فيلما عظيما،او يأخذ نصا عظيما ويصنع منه فيلما رديئا،لكنه لا يأخذ نصا رديئا ويصنع منه فيلما عظيما،هذا محال  وكلمة سيناريو ذات أصل لاتيني وتعني:حكاية او سرد المشاهد ومع ظهور السينما أصبحت الكلمة تعمم على العمل المكتوب لأجل الشريط السينمائي، إذا السيناريو هو الفيلم مكتوبا على الورق .ومن هنا فالسيناريو الأدبي : هو النص المكتوب الذي يضعه المؤلف بشكل أصيل او مقتبس عن عمل أدبي او فني او تراثي . أما السيناريو التنفيذي او التقني : يعني تصور المخرج للنص المكتوب متضمنا اللقطات والزوايا والإضاءة وحركة الكاميرا . فإذا كان الفيلم عبارة عن قصة مصورة ومشخصة حركيا تروى للجمهور على الشاشة الصغيرة او الكبيرة،او فن سرد القصة بالصور ،فان السيناريو هو التخطيط للفيلم على الورق ،أي تخطيط للقصة السردية في شكل لقطات ومقاطع ومشاهد وحوارات على الورقة لكي تكون قابلة للتشخيص والتمثيل الدرامي .
هل يتحول الأديب إلى كاتب سيناريو  ؟ قال الأديب الانجليزي جوزيف كونراد" مهمتي هي أن أجعلك (تسمع)،أجعلك (تشعر )،والاهم من ذلك كله أن أجعلك (ترى). هذا كل ما في الأمر ،واهم شيء فيه." من الممكن أن يصبح الروائي كاتب سيناريو من خلال رواياته التي عندما نقراها ندرك وجود آلة التصوير إدراكا قويا . فاغلب الوصف على ما يبدو يتم وكأنه من خلال عدسة . لكن محاولة الإجابة تقودنا إلى حتمية اختلاف الرواية والسيناريو وما مشترك بينهما قليل جدا. يمكن للكاتب في مجال الرواية أن يكتب الكثير من الصفحات فهو غير مقيد بالوقت لأنه حر في كتابته التخيلية . أما السيناريست غير حر فهو مقيد بمدة الشريط ومدة الفيلم ، فكل مشهد يساوي دقيقة في الفيلم الذي يتراوح بين 90 او 120 دقيقة في جلسة واحدة .وكما قال جان متيرى انه" إذا كانت الرواية تجعلنا نحس بالاعتماد المتبادل بين إنسان وإنسان ،او بين أناس والدنيا،فإنها تعمل ذلك تجريديا عن طريق الكلمات والصور البلاغية،لكن الفيلم من الناحية الأخرى يعمل ذلك عن طريق العملية العادية للإدراك البسيط . ومن هنا تأتي استحالة الاقتباس الحقيقي ". لكن البعض يقول إن الرواية لا تنفصل عن السيناريو فكثير من الكتاب مثل سارتر صاحب رواية "الدوامة" لم يكتبها بالشكل الروائي المألوف بل كتبها مباشرة بشكل السيناريو ،وهنا تحدث نجيب محفوظ عن الأدب السينمائي عندما قال " السينما دخلت حياتي من الخارج لم أكن اعرف عنها شيئا.." لم يعرف شيء عن السيناريو إلى أن تعلم وشارك في كتابة السيناريو للعديد من الأفلام وكان "عنتر وعبلة" الذي اشترك في نصه السينمائي باكورة تعاونه مع المخرج صلاح أبو سيف الذي قرأ عبث الأقدار واخبره بأنه يصلح لكتابة السيناريو . وإذا كان صلاح أبو سيف هو أهم مخرجي الواقعية في السينما العربية فان نجيب محفوظ هو أهم كتاب الواقعية حيث اشتركا في كتابة فيلم "الفتوة" وهو واحد من أهم الأفلام المصرية والعالمية. ويقول انجا كاريتنيكوفا في كتابه (كيف تتم كتابة السيناريو ) إن ما يشار إليه الآن بالسيناريو عندما تتم كتابته على يد كاتب متمكن ، فيمكن لهذا السيناريو أن ينال إعجاب القارئ بنفس القدر الذي تناله أي قطعة جديدة من الكتابة ولكنه يختلف عن الرواية والقصة القصيرة ، في إن الهدف الأخير من وراء كتابة السيناريو هو أن يتحول إلى فيلم . وللسيناريو شكل خاص ،يراعيه كل كاتب سينمائي ، ولقد تغيرت بعض التفاصيل مع مرور الزمن وأصبح للسيناريو شكلا أدبيا يصلح للقراءة .
مثال لتطور الشخصية في سيناريو الأب الروحي الذي يضم عددا كبيرا من الشخصيات التي تنشا أثناء تطور التصميم الدرامي الأساسي ، وهو الحبكة ، وطبقا له .وترتبط الشخصيات الكبيرة وبعض الشخصيات الثانوية مباشرة بالبطل . إنهم لا يخدمون فقط في تطوير حركة البطل ، ولكنهم يعكسون أيضا المظاهر المختلفة لشخصيته . وندرك من أول منظر في السيناريو إن السيد كورليوني هو السيد القوي ، الذي يمارس نفوذه من خلال التقاليد والشرف والصداقة . انه يحترم كل الطلبات المقدمة إليه . إن مقدمي الطلبات يؤمنون بأنه هو القادر على تحقيق العدالة .انه لا يبدو فقط كرجل قوي إلى أقصى مدى ، بل هو أيضا نوع من السلطة الروحية ،انه الأب الروحي للجميع . إنما وصف غرفة مكتبه وكلمة قتل التي ترد من آن إلى لآخر في الحوار ، هما اللذان يشيران إلى الارتباط بالعالم السري للسيد .
الحوار الهام الذي يدور بين مايكل ووالده يلخص نقطة البداية في تطور شخصية مايكل .
السيد كورليوني .. يرفع يده ويتلمس ببطء ميدالية معينة مثبتة على الزي الرسمي الذي يرتديه مايكل .
السيد كورليوني : لماذا حصلت على هذه ؟
مايكل : للشجاعة
السيد كورليوني : وهذه ؟
مايكل : لأني قتلت رجلا . 
السيد كورليوني : ياللمعجزات التي تفعلها من اجل الغرباء (لاحظ الملحوظة الساخرة التي يقحمها هنا كاتب السيناريو ما سيقوم به مايكل من أفعال، من اجل العائلة وبكل شجاعة)
مايكل : منذ مولدي وأنت ترتب كل هذا من اجلي .
 السيد كورليوني : لا ، لقد أردت لك أشياء أخرى .
مايكل : أردت مني أن أكون ابنك .
السيد كورليوني : نعم،ولكن الابن الذي قد يكون أستاذا او عالما او موسيقيا والحفيد الذي قد يكون .. من يعلم حاكما او رئيسا للجمهورية .
مايكل : لماذا إذا صرت أنا رجلا مثلك ؟
السيد كورليوني : أنت مثلي .. لقد كانوا يطاردونني في شوارع كورليوني عندما كان عمري 12 سنة بسبب ما كان عليه أبي .. لم يكن لي اختيار . 
لقد دارت الحبكة في دائرة كاملة . ويصبح مايكل الأب الروحي وفي النهاية كما في البداية يستقبل السيد أتباعه بكل إحساسه بالسلطة وبكل قوته كقائد ومن هنا نجد إن ما يكشف عن الشخصيات في السيناريو هو الحركة والحوار ن وليس الوصف .

إرسال تعليق

أحدث أقدم